وعظ أعرابي ابنه فقال: أيْ بني!!
إنه من خاف الموت بادر الفوت..
ومن لم يكبح نفسه عن الشهوات أسرت به إلى التبعات..
والجنة والنار أمامك!!
عجباً لذاكر الموت كيف يلهو!!
عجباً لخائف الفوت كيف يسهو!!
عجباً لمتيقن حلول البلى ثم يزهو.. وإذا ذكرت له الآخرة مرَّ يلهو!!
يا ابن آدم..
كم رأيت مغروراً قبلك؟
كم شاهدت منقولاً مثلك؟
منْ أبادَ أقرانك؟
منْ أهْلَكَ أهْلَكْ؟
أين من كان في رَوْحٍ وسَعَة.. نُقِلَ إلى مكانٍ ما وَسِعَه؟
أين منْ كان يُخافُ لِبَأسِهِ.. ما هو الآن لِبَاسُهُ؟
أين منْ كان على نِسَاءِهِ شديد الغَيْرة.. أما رحَلَ عنهن فاخترن غيره..
أين منْ كان يبيتُ آمِناً في سِرْبِهِ.. أما قيل للموت خُذْهُ وسِربِه..
أمَا عاقبةُ الأُلفة فُرقة.. أما آخر الجُرْعات شَرْقَة.. أما ختامُ الفرحِ قلقٌ وحُرْقه..
ألَمْ تسمع الأصوات!!
هل سمعتَ سوى فلانٌ مات..
أطْلِق بصرك في الفلوات.. هل ترى إلا القبور الدارسات..
استيقظ يا ابن آدم!!
ما هيَ إلا لحظات وإذْ بهم يقولون عنك
فلانٌ مات..
يا شدة الوجَلْ عند حضور الأجَلْ..
يا حَسْرَةَ الفَوتْ عند حضور الموت..
يا خجل العاصي..
يا أَسَفْ المُقصِرين..
اسْتَلِبْ زمانك يا مَسْلُوب.. غَلِبْ الهوى يا مَغْلُوب..
حَاسِبْ نفسك فالعمرُ مَحْسُوب..
امْحُ قبيحكَ فالقبيحُ مكتوب..
عجباً لنائمٍ وهو مطلوب..
عجباً لضَاحِكٍ وعليه ذنوب..
(الكل يموت)..
يموتُ كلُ أميرٍ و وزير..
يموتُ كل عزيزٍ وحقير..
يموتُ كل غنيٍ وفقير..
(الكل يموت)..
يموتُ كل نبيٍ و ولي..
يموتُ كل زاهدٍ وعابد..
يموتُ كل مُقِرٍ وجاحِدْ..
يموتُ كل صحيحٍ وسقيم..
يموتُ كل مريضٍ وسليم..
(الكل يموت)..
ولا يبقى سوى ذو العزةِ والجبروت..