الصدق والكذب ونتائجهما
عن عبد الله بن مسعود – رضي الله
عنه – قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
« عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي
إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة ، وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند
الله صديقاً.
وإياكم والكذب ، فإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى
النار. وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً ».
أخرجه
البخاري (1) ومسلم(2) وأحمد(3) وأبو داود([4) ومالك(5) والترمذي(6) وابن ماجه(7)
والدارمي(
واللفظ لمسلم.
راوي الحديث :
عبد الله بن مسعود وقد
تقدمت ترجمته في شرح الحديث رقم (5).
المفـردات :
عليكم : اسم فعل أمر بمعنى
ألزموا الصدق.
الصدق : مطابقة الخبر للواقع.
يهدي : يدل ويرشد.
الـبر :
التوسع في فعل الخير وهو اسم جامع للخيرات كلها ويطلق على العمل الخالص
الدائم.
يتحرى : يعتمد وقصد.
الفجور : الانبعاث في المعاصي وهو اسم جامع
للشر. وأصل الفجر : الشق الواسع.
إياكـم : صيغة تحذير من الشر أو ما
يضر.
والكذب : مخالفة الخبر للواقع.
المعنى الإجمالي :
الصدق :
خلق نبيل ومن أُسُسِ الفضائل به تستقيم الحياة وتسير به سيراً حميداً ، وإن الصدق
ليعلي صاحبه ويرفع منـزلته عند الله وعند الناس ، فيكون محترم الكلمة محبوباً إليهم
مقبول الشهادة والحديث عندهم.
فعليك بتحري الصدق ، في القول ، وفي العقيدة ، وفي
العمل ، لقد أرشدنا الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - إلى مسألة تربوية عظيمة
وهي طريق تربية الخلق وتكوينه وتقويته في النفس وذلك بأن يتحرى الإنسان القول
الجميل والصنع المجيد ويقصد إلى عمله المرة بعد الأخرى والرابعة تلو الثالثة
والسادسة بعد الخامسة حتى يؤثر هذا التكرار في نفسه وكلما أصر على متابعة ذلك العمل
ازداد لصوقاً بنفسه ورسوخاً فيها.
فمن طمحت نفسه إلى منازل الصديقين وأن يكون
الصدق خلقه وشيمته وطبعه فليتحر الصدق في أقواله وأعماله وليتابع ذلك فإذا بالصدق
خلقه ، وإذا به يحتل بعون الله منازل الصديقين ، وكما أن الصدق من أسس الفضائل ،
فإن الكذب من أسس الرذائل. به يتصدع بنيان المجتمع ويختل سير الأمور ويسقط صاحبه من
عيون الناس لا يصدقونه في قول ولا يثقون به في عملٍ أحاديثه باطلة لذلك حذر منه
رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفي القرآن الكريم كثير من الآيات المقبحة للكذب
المنفرة عنه المتوعدة عليه بالعذاب الشديد.
قال تعالى : ﴿ وَلَا تَقُولُوا لِمَا
تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى
اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا
يُفْلِحُونَ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [النحل 116-117] ، وقال
تعالى: ﴿ إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ
وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ﴾ [النحل 105] ، وهل الشرك واتخاذ الأنداد الذي هو
أكبر الجرائم والذنوب إلا كذب ، وهل النفاق الذي هو شر من الكفر الصريح إلا كذب ،
وكذلك الغش في المعاملة ونية الإخلاف في المواعيد والرياء في الأعمال كلها من ضروب
الكذب.
فابتعد أيها المسلم عن الكذب واربأ بنفسك عن تحريه فإن فيه وفي تحريه
وتقصُّده الهلاك والانحدار إلى هوة الفجور ؛ لأنه يسوق صاحبه ويجره إلى منازل
الفجار وإن الفجار لفي النار ﴿وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ * يَصْلَوْنَهَا
يَوْمَ الدِّينِ ﴾ [ الإنفطار13-14 ].
ما يستفاد من الحديث :
1- وجوب
التزام الصدق ، قال تعالى : ﴿يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اِتَّقُوا اللَّه
وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾ [التوبة119].
2- في الحديث قاعدة تربوية وهي أن
من أراد أن يتخلق بالأخلاق العالية كالصدق والصبر والشجاعة فليتحرها وليتقصدها
وليواظب عليها، فبتحري الصدق والتزامه يصبح صادقاً وبالتصبر وتحمل الشدائد يصبح
الصبر له خلقاً وبالمداومة على الرذيلة وتحريها يصبح الرجل كذاباً ورذيلاً.
3-
وفي الحديث التحذير من الكذب ومن تحريه.
4- وأنه يقود إلى الفجور والفجور يهدي
إلى النار – أعاذنا الله من الكذب والفجور والنار -.