أهداف ودوافع الاستشراق:
نقصد بهذا العنصر الحديث عن الأهداف التي من أجلها بذل المستشرقون أوقاتهم وأموالهم وجهودهم، ويعبر عنها بعض المثقفين بالدوافع، وبعضهم بالدواعي، وهي وإن اختلفت في مدلولها اللغوي إلا أن مؤداها ونتائجها واحدة، ويمكن أن نجمل هذه الأهداف في التالي:
الهدف الديني :
كان هذا الهدف وراء نشأة الاستشراق ، وقد صاحبه خلال مراحله الطويلة ، وهو يتمثل في :
1) التشكيك في صحة رسالة النبي صلى الله عليه وسلم ، والزعم بأن الحديث النبوي إنما هو من عمل المسلمين خلال القرون الثلاثة الأولى ، والهدف الخبيث من وراء ذلك هو محاربة السنة بهدف إسقاطها حتى يفقد المسلمون الصورة التطبيقية الحقيقية لأحكام الإسلام ولحياة الرسول صلى الله عليه وسلم ، وبذلك يفقد الإسلام أكبر عناصر قوته .
2) التشكيك في صحة القرآن والطعن فيه ، حتى ينصرف المسلمون عن الاتقاء على هدف واحد يجمعهم ويكون مصدر قوته وتنأى بهم اللهجات القومية عن الوحي باعتباره المصدر الأساسي لهذا الدين (تنـزيل من حكيم حميد) .
3) التقليل من قيمة الفقه الإسلامي واعتباره مستمدا من الفقه الروماني .
4) النيل من اللغة العربية واستبعاد قدرتها على مسايرة ركب التطور وتكريس دراسة اللهجات لتحل محل العربية الفصحى .
5) إرجاع الإسلام إلى مصادر يهودية ونصرانية بدلا من إرجاع التشابه بين الإسلام وهاتين الديانتين إلى وحدة المصدر .
6) العمل على تنصير المسلمين .
7) الاعتماد على الأحاديث الضعيفة والأخبار الموضوعة في سبيل تدعيم آرائهم وبناء نظرياتهم .
لقد كان الهدف الاستراتيجي الديني من حملة التشويه ضد الإسلام هو حماية أوروبا من قبول الإسلام بعد أن عجزت عن القضاء عليه من خلال الحروب الصليبية .
الهدف التجاري :
عندما بدأت أوروبا نهضتها العلمية والصناعية والحضارية وكانت في حاجة إلى المواد الأوليـة الخام لتغذية مصانعها ، كما أنهم أصبحوا بحاجة إلى أسواق تجارية لتصريف بضائعهم كان لا بد لهم أن يتعرفوا إلى البلاد التي تمتلك الثروات الطبيعية ويمكن أن تكون أسواقاً مفتوحة لمنتجاتهم . فكان الشرق الإسلامي والدول الأفريقية والآسيوية هي هذه البلاد فنشطوا في استكشافاتهم الجغرافية ودراساتهم الاجتماعية واللغوية والثقافية وغيرها.
ولم يتوقف الهدف التجاري عند بدايات الاستشراق فإن هذا الهدف ما زال أحد أهم الأهداف لاستمرار الدراسات الاستشراقية . فمصانعهم ما تزال تنتج أكثر من حاجة أسواقهم المحـلية كما أنهم ما زالوا بحاجة إلى المواد الخام المتوفرة في العالم الإسلامي. ولذلك فإن بعض أشهر البنوك الغربية(لويد وبنك سويسرا) تصدر تقارير شهرية هي في ظاهرها تقارير اقتصادية ولكنها في حقيقتها دراسات استشراقية متكاملة حيث يقدم التقرير دراسة عن الأحوال الدينية والاجتماعية والسياسية والثقافية للبلاد العربية الإسلامية ليتعرف أرباب الاقتصاد والسياسة على الكيفية التي يتعاملون بها مع العـالم الإسلامي.
جاء في قرار إنشاء كرسي اللغة العربية في جامعة كمبردج سنة 1336م ما ينص صراحة على أن الغرض هو الهدف الديني بنشر النصرانية والهدف التجاري وخدمة الامبراطورية.. حيث جاء:"... ونحن ندرك أننا لا نهدف من هذا العمل إلى الاقتراب من الأدب الجيد بتعريض جانب كبير من المعرفة للنور بدلا من احتباسه في هذه اللغة التي نسعى لتعلّمها، ولكننا نهدف أيضا إلى تقديم خدمة إلى الملك والدولة عن طريق تجارتنا مع الأقطار الشرقية،وإلى تمجيد الله بتوسيع حدود الكنيسة، والدعوة إلى الديانة المسيحية بين هؤلاء الذين يعيشون في ظلمات"[1]
الهدف الاستعماري:
لقد خدم الاستشراق الأهداف السياسية الاستعمارية للدول الغربية فقد سار المستشرقون في ركاب الاستعمار وهم كما أطلق عليهم الأستاذ محمود شاكر -رحمه الله- " حملة هموم الشمال المسيحي- فقدموا معلومات موسعة ومفصلة عن الدول التي رغبت الدول الغربية في استعمـارها والاستيلاء على ثرواتها وخيراتها. وقد اختلط الأمر في وقت من الأوقات بين المستعمر والمستشرق فقد كان كثير من الموظفين الاستعماريين على دراية بالشرق لغة وتاريخاً وسياسة واقتصـاداً . وقد أصدر - على سبيل المثال- مستشرق بريطاني كتاباً من أربعة عشر مجلداً بعنوان: (دليل الخليج: الجغرافي والتاريخي) وكان الموظف الاستعماري لا يحصل على الوظيفة في الإدارة الاستعمارية ما لم يكن على دراية بالمنطقة التي سيعمل بها.
واستمر الارتباط بين الدراسات العربية الإسلامية وبين الحكومات الغربية حتى يومنا هذا بالرغـم من أنه قد يوجد عدد محدد جداً من الباحثين الغربيين دفعهم حب العلم لدراسة الشرق أو العالم الإسلامي. ومن الأدلة على هذا الارتباط أن تأسيس مدرسة الدراسات الشرقية والأفريقية بجـامعة لندن قد أُسّسَت بناء على اقتراح من أحد النواب في البرلمان البريطاني. وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية رأت الحكومة البريطانية أن نفوذها في العالم الإسلامي بدأ ينحسر فكان لا بد من الاهتمام بالدراسات العربية الإسلامية فكلفت الحكومة البريطانية لجنة حكومية برئاسة الإيرل سكاربورو Scarbrough لدراسة أوضاع الدراسات العربية الإسلامية في الجامعات البريطانية. ووضعت اللجنة تقريرها حول هذه الدراسات وقدمت فيه مقترحاتها لتطوير هذه الدراسات واستمرارها
وفي عام 1961 كونت الحكومة البريطانية لجنة أخرى برئاسة السير وليام هايترSir William Hayter لدراسة هذا المجال المعرفي ، وقامت اللجنة باستجواب عدد كبير من المتخصصين في هذا المجال ، كما زارت أقسام الدراسات العربية والإسلامية في الجامعات البريطانية وفي عشر جامعات أمـريكية وجامعتين كنديتين . وكانت زيارتها للولايات المتحدة بقصد التعرف على التطورات التي أحدثها الأمريكيون في هذا المجال ، وكان ذلك بتموين من مؤسستي روكفللر و فورد .
ومما يؤكد ارتباط الدراسات العربية الإسلامية بالأهداف السياسية الاستعمارية (رغم انحسار الاستعمار العسكري) أن الحكومة الأمريكية موّلت عدداً من المراكز للدراسات العربية الإسلامية في العديد من الجامعات الأمريكية ، وما زالت تمول بعضها إما تمويلاً كاملاً أو تمويلاً جزئياً وفقا لمدى ارتباط الدراسة بأهداف الحكومة الأمريكية وسياستها.
كما يستضيف الكونجرس وبخاصة لجنة الشؤون الخارجية أساتذة الجامعات والباحثين المتخصصين في الدراسات العربية الإسلامية لتقديم نتائج بحوثهم وإلقاء محاضرات على أعضاء اللجنة ، كما ينشر الكونجرس هذه المحاضرات والاستجوابات نشراً محدوداً لفائدة رجال السياسة الأمريكيين.
وحين نتحدث عن الهدف الاستعماري.. يحسن بنا أن نذكر الأمثلة.. على بعض المستشرقين الذين خدمت دراساتهم الاستعمار.. بل إن بعضهم كان مبتعثا كجاسوس إلى العالم الإسلامي .. ومن أبرز هؤلاء:
- الهولندي سنوك هرجرونجه 1857-1936م قدم إلى مكة عام 1884م تحت اسم عبد الغفار ، ومكث مدة نصف عام ، وعاد ليكتب تقارير تخدم الاستعمار في المشرق الإسلامي ، وقد سبق له أن أقام في جاوه مدة 17 سنة ، وقد صدرت الصور التي أخذها لمكة والأماكن المقدسة في كتاب بمناسبة مرور مائة سنة على تصويرها
- معهد اللغات الشرقية بباريس المؤسس عام 1885م كانت مهمته الحصول على معلومات عن البلدان الشرقية وبلدان الشرق الأقصى مما يكل أرضية تسهل عملية الاستعمار في تلك المناطق .
- كارل هنيريش بيكر ت1933م مؤسس مجلة الإسلام الألمانية ، قام بدراسات تخدم الأهداف الاستعمارية في أفريقيا .
- بار تولد لآشقفاخمي ت 1930م مؤسس مجلة عالم الإسلام الروسية ، قام ببحوث تخدم مصالح السيادة الروسية في آسيا الوسطى .
- وهكذا نرى أن مثل هؤلاء المستشرقين جزء من مخطط كبير هو المخطط الصهيوني الصليبي لمحاربة الإسلام ، ولا نستطيع أن نفهمهم على حقيقتهم إلا عندما نراهم في إطار ذلك المخطط الذي يهدف إلى تخريج أجيال لا تعرف الإسلام أو لا تعرف من الإسلام إلا الشبهات ، وقد تم انتقاء أفراد من هذه الأجيال لتتبوأ أعلى المناصب ومراكز القيادة والتوجيه لتستمر في خدمة الاستعمار .
الهدف السياسي : يهدف إلى :
1) إضعاف روح الإخاء بين المسلمين والعمل على فرقتهم لإحكام السيطرة عليهم
2) العناية باللهجات العامية ودراسة العادات السائدة لتمزيق وحدة المجتمعات
المسلمة .
3) كانوا يوجهون موظفيهم في هذه المستعمرات إلى تعلم لغات تلك البلاد ودراسة آدابها ودينها ليعرفوا كيف يسوسونها ويحكمونها .
4) في كثير من الأحيان كان المستشرقون ملحقين بأجهزة الاستخبارات لسبر غور حالة المسلمين وتقديم النصائح لما ينبغي أن يفعلوه لمقاومة حركات البعث الإسلامي .